الحمد لله
(والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك) وفي رواية لمسلم (لخُلْفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
(خُلُوف) قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يفتح الخاء قال الخطابي: وهو خطأ وحكى القابسي الوجهين وبالغ النووي فقال: لا يجوز فتح الخاء.
الخلوف يحدث من خلوّ المعدة بترك الأكل ولا يذهب بالسواك لأنه رائحة النفس الخارج من المعدة وإنما يذهب بالسواك ما كان في الأسنان من التغير. الباجي
والعرب تقول:
إنه لطيب الخُلفة أي طيب آخر الطعم.
قال ابن حجر: واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام.
الخِلفة تغير ريح الفم. وأصلها في النبات أن ينبت الشيء بعد الشيء لأنها رائحة حدثت بعد الرائحة الأولى. يقال خلف فمه يخلف خلفة وخُلوفا. النهاية
خلوف الفم رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة لخلو المعدة من الطعام وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته. ابن رجب
ابن القيم:
يستحب السواك كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والانتباه من النوم وتغير رائحة الفم ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث.
ولحاجة الصائم إليه ولأنه مرضاة للرب ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله.
وأجمعوا على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا والمضمضة أبلغ من السواك وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ولا هي من جنس ما شرع التعبد به.
وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حَثاً منه على الصوم لا حثا على إبقاء الرائحة بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر.
وأيضا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم. ومحبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم.
والسواك لا يمنع طيب الخلوف عند الله يوم القيامة، بل يأتي الصائم يوم القيامة، وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ولو أزاله بالسواك، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ريح المسك وهو مأمور بإزالته في الدنيا.
وأيضا فإن الخلوف لا يزول بالسواك، فإن سببه قائم، وهو خلو المعدة عن الطعام، وإنما يزول أثره، وهو المنعقد على الأسنان واللثة.
وأيضا فإن النبي عليه السلام علّم أمته ما يستحب لهم في الصيام، وما يكره لهم، ولم يجعل السواك من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضهم عليه، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة ويعلم أنهم يقتدون به ولم يقل لهم يوما من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.
قال ابن رجب:
لما كان الصيام سرا بين العبد وربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة ليعرف أهل الصيام بصيامهم جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا.
وأيضا:
فمَن عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله، بل هي محبوبة له طيبة عنده لأنها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطبيب لقلوبهم لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا.
-(لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك) وفي رواية (ولخلوف فم الصائم حين يَخلُف من الطعام أطيب عند الله من ريح المسك).
احتج بالرواية الأولى من قال:
هذه الرائحة الطيبة من الصائم تكون في الآخرة، واحتج بالرواية الثانية من قال:
تكون في الدنيا لقوله (حين يخلف).
والصواب أن يقال:
حيث أخبر النبي بأن ذلك الطيب يكون يوم القيامة فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف.
كما تظهر فيه السرائر وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم. وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته وإن كانت تلك الرائحة كريهة للعباد. فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله، وبالعكس، فالله يستطيبه لموافقته أمره فيكون عنده أطيب من المسك عندنا فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.
وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يقوى العمل حتى يظهر بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب وبغضة في قلوب الخلق.
حتى إن الرجل الطيب لتشم منه رائحة طيبة وإن لم يمس طيبا فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه، والفاجر بالعكس، والمزكوم لا يشم لا هذا ولا هذا. ابن القيم
بـــــقـــــــ الشيخ محمد صالح المنجد ـــلـــم
almonajjid@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق