قاعدة: القرآن الكريم كلُّه مُحكَم باعتبار، وكلُّه متشابهِ باعتبار ثانٍ، وبعضه مُحكَم وبعضه مُتشابِه باعتبار ثالث:
فالإحكام والتشابُه في القرآن الكريم ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الإحكام العام الذي وُصِفَ به القرآن كله:
فالقرآن مُحكَم كلُّه بمعنى: أنَّه في غاية الإتقان، والجودة في ألفاظه ومعانيه، وأنَّه في غاية الفصاحة والبلاغة، وأنَّ أخباره كلها حقٌّ وصدق، عَدْل، نافعة، ليس فيها كذب ولا تناقض ولا لغو ولا جور ولا سَفَه.
كما قال تعالى: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، وقال: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)، وقال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).
النوع الثاني: التشابه العام الذي وُصِفَ به القرآن كله:
فالقرآن متشابه كلُّه بمعنى: أنَّ القرآن كله يُشبِه بعضه بعضًا في الكمال، والحُسن، والصِّدق، والحقّ، والغايات الحميدة؛ فألفاظه أحسن الألفاظ ومعانيه أحسن المعاني؛ كما قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ)، وقال: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا).
النوع الثالث: الإحكام الخاص ببعضه، والتشابه الخاص ببعضه:
وهذا هو معنى قوله سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)؛ فقد وصفَه الله سبحانه بأنَّ بعضه مُحكَم وبعضه متشابِه.
فالإحكام هنا معناه: أن يكون معنى الآية واضحًا جليًّا لا خفاء فيه، ولا يحتمل إلا وجهًا واحدًا؛ كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، وقوله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، وقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)، وأمثال ذلك.
والتشابه معناه: أن تحتمل الآية أكثر من معنى، أو يكون معناها مُشتبهًا خفيًّا؛ كتفسير (القُروء) في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وكأوائل السُّور المفتتحة بالحروف (الم، حم، عسق) ونحوها.
[ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/68)، والقواعد الحسان للسعدي صــ 60، وأصول في التفسير لابن عثيمين صــ 40، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان صــ 219].
بـــــقـــــــ الشيخ محمد صالح المنجد ـــلـــم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق